وجواب يجيب عن هذا السؤال، ليكشف عن حقيقة هذه الحطمة، ليلتقى مع ما وقع فى النفس من تصورات لها، فتزداد حقيقتها وضوحا وبيانا.
إنها نار الله الموقدة.. قد أوقدها الله فكانت نار لله، وليست من تلك النار التي يوقدها الناس!.
وقوله تعالى:
«الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ» .
أي أنها نار ذات شأن عجيب، ليس فى نار الدنيا شىء من صفاتها وآثارها.. إنها تطلع على الأفئدة، أي أنها لا تتسلط على الأجسام وحسب، بل إنها تتسلط كذلك على المشاعر والوجدانات، فتشتعل بها المشاعر، ونحترق بها الوجدانات.. وقد يكون فى هذا ما يشير- والله أعلم- إلى أن عذاب أهل النار نفسىّ، أكثر منه مادىّ.
وقد قيل إن معنى الاطلاع على الأفئدة، هو أن هذه النار العجيبة تعرف أهلها، وكأنّها اطلعت على سرائرهم، وما عملوا من منكرات، فتدعوهم إليها، وتمسك بهم، وتشتمل عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى» (17- 18 المعارج) وقوله سبحانه: «إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً» (12: الفرقان) .
قوله تعالى:
«إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» .
أي أن هذه النار مؤصدة، أي مغلقة على أهلها، مطبقة عليهم، لا يجدون لهم فيها منفذا إلى العالم الخارجي.. أما هم، فهم مشدودون إلى عمد ممددة، قد شدت أغلالهم إليها.. فهم بهذه القيود فى سجن، داخل هذا السجن!