فالمسلمون كانوا إلى يوم أحد فى مواجهة عواصف عاتية، تهبّ عليهم من كل جهة، وتطلع عليهم من كل أفق.
كانوا فى مكة قلّة مستضعفين، أخذتهم قريش بالبأساء والضرّاء، ففرّوا بدينهم وانخلعوا عن ديارهم وأهليهم فى غربة موحشة، لا يؤنسهم فيها غير دينهم، ولا يملأ عليهم حياتهم إلا آيات الله يرتلونها، ويسعدون بما تفيض عليهم من رحمة ورضوان.. وكانوا فى المدينة أعدادا قليلة، تتربص بهم قريش، وتعدّ العدة للقضاء عليهم، على حين يمكر بهم اليهود ويؤلّبون الناس على حربهم.
ثم إذا كان يوم بدر استروح المسلمون ريح النّصر، وتنفسوا أنفاس الرضا.. فلما جاءت موقعة أحد ألقت على المسلمين هموما ثقالا، وأطمعت فيهم أعداءهم، فأظهروا لهم ما كانوا يخفون من عداوة، وما كانوا يبيتون من عدوان..
وقد رأينا كيف كانت رحمة الله بالمسلمين ومواساته لهم، فيما نزل من آيات، بعد أحداث أحد.
والصبر هو زاد المؤمنين وعتادهم فى مسيرتهم إلى الله، وبلوغ مرضاته..
وبغير الصبر، وتوطين النفس على ما تكره، لا يستقيم خطو الإنسان أبدا على طريق الحق والخير، إذ كان ذلك الطريق دائما، موحشا، تعترض سالكه الحواجز والمزالق والعثرات! لهذا كانت تلك الآية الكريمة دعوة خالصة للصبر، تغرى المسلمين به، وتحرضهم عليه، وتفتح لهم طريق النجاح والفلاح بيده! «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .