دماء طاهرة.. ثم تختم صفحته الملطخة بالدماء، بدم «سعيد بن جبير» بقية السلف الصالح، والنبتة الكريمة الباقية من رياض التابعين؟
والذين شهدوا الحجاج وهو على فراش الموت، يعانى سكراته، وينظر نظرات الفزع والرعب إلى ماضيه الذي حضر كلّه بين يديه- الذين شهدوا الحجاج وهو فى تلك الحال، فاضت نفوسهم أسّى عليه، ورحمة به، حتى أولئك الذين كانوا أشد الناس بغضا له، واستعجالا ليومه هذا! فكم يساوى سلطان الحجاج، وجبروته، وما أرضى به نفسه من هذا السلطان، وذلك الجبروت- كم يساوى كل هذا من آلام ساعة من ساعاته الأخيرة، وهو يرى حصاد هذا السلطان، وثمر هذا الجبروت؟
هذا حساب الإنسان مع نفسه، فكيفّ حسابه مع الله، إذا كان قد أخذ طريقا غير طريق الله؟.
وقوله تعالى:
«فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» العقبة، هى الطريق الوعر فى الجبل، تحف بسالكها المخاوف والمهالك..
والاقتحام، هو الإقدام من المرء على الأمر فى قوة وعزم، دون مبالاة بما يعترضه من صعاب.. والمخاطب باقتحام العقبة هنا، هو هذا الإنسان الذي هداه الله النجدين، وعرّفه- بما أودع فيه من عقل، وما غرس فيه من فطرة- التهدّى إلى طريق الخير أو الشر، ثم لم يقتحم العقبة إلى موارد الخير، ومواقع الإحسان، وآثر أن يأخذ طريق الشر، ويتقحّم عقبته تحت غواشى ضلاله، وغمرة شهواته.. ومطوة نزواته..
وقوله تعالى.
«وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ» سؤال يثير العقل، ويحرك الفكر، نحو هذا المجهول الذي يسأل عنه.