قوله تعالى:
«فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ» - أي فى هذا اليوم لا يشهد الناس عذابا كهذا العذاب الذي يعذب الله به أهل الضلال، ولا قيدا محكما وثيقا كهذا القيد الذي يقيدهم الله به، فلا يجدون سبيلا للإفلات والهرب! والضمير فى عذابه، يرجع إلى الله، ومثله الضمير فى وثاقه.
وقوله تعالى:
«يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً» هذا النداء الكريم، الذي يدعو به الله سبحانه وتعالى أهل ودّه، من وسط هذا البلاء الخالق، المحيط بالناس يوم القيامة- هو قارب النجاة، الذي يخفّ مسرعا إلى تلك السفينة الغارقة فى هذا البحر اللّجى، فيحمل هؤلاء الذين أكرمهم الله بفضله وإحسانه، فنجاهم من شر هذا اليوم، ولقاهم نضرة وسرورا.. إن هذا النداء الذي يجىء على فجاءة وسط هذا البلاء، لهو أوقع أثرا، وأبلغ فى إدخال المسرة على النفس، من أن يجىء مسبوقا بمقدمات تشير إليه، وتبشّر به..
والنفس المطمئنة، هى النفس المؤمنة، التي لا يستبد بها القلق فى أي حال من أحوالها، فى السراء أو الضراء، إنها فى حال واحدة أبدا من الرضا بما قسم الله لها..، فهى فى السراء شاكرة، حامدة، وفى الضراء صابرة راضية، فلا الغنى يطغيها، ويخرج بها عن طريق الاستقامة، ولا الفقر يسخطها، ويعدل بها عن الاطمئنان إلى قضاء الله فيها، وحكمه عليها.. إنها نفس مطمئنة ثابتة، على حال واحدة فى إيمانها بالله، ورضاها بما قسم لها.. وهذا الاطمئنان وذلك الرضا، لا يجد هما إلا المؤمنون بالله، المتوكلون عليه، المفوضون أمورهم