وفى هذا الثناء من الله سبحانه وتعالى على ذاته الكريمة- إشارة إلى أن هذا الإبداع فى الخلق، والإحكام فى التصوير، مشهد يقف الوجود كله مبهورا أمام جلاله وروعته، ثم لا يجد من صيغ الثناء ما ينطق به فى هذا المقام، فكان صمته أبلغ من كل كلام، وكانت حجته على الصمت، أن نطق أحكم الحاكمين رب العالمين.. فليس بعد قول الله قول، ولا بعد ثنائه ثناء! فالويل يومئذ لمن كان لا يرجو لله وقارا، ولا يعرف لجلاله قدرا! قوله تعالى:

«أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً وَأَمْواتاً» .

هذا مشهد آخر من مشاهد قدرة الخالق جلّ وعلا..

فإذا عميت بعض البصائر عن أن ترى مسيرة هذه النطفة الصغيرة، وأن تشهد ما انطوت عليه من حياة، وما تفجر منها من مخلوقات- فإنها تستطيع أن تنظر إلى كائن آخر، أكبر حجما من هذه النطفة.. إنه الأرض!! الأرض كلها بما على ظهرها، وما فى بطنها..

فماذا يرى من هذه الأرض، ظاهرا أو باطنا؟

إنها النطفة.. مكبرّة!! إنها حياة وموت.. فى وقت معا..

إنها حياة منطلقة من موات، وموات يتخلف من حياة..

إنها رحم كبير، يتفتح لنطف الماء الذي يتحلب عليه من السحاب! - «وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً.. فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (5: الحج) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015