أي أن هذا الماء المستقذر المهين، قد جعله الله سبحانه وتعالى، ماء مصونا محفوظا «فِي قَرارٍ مَكِينٍ» - هو رحم الأم.
إن هذا الماء المهين إذن، ليس كما يبدو فى ظاهر الأمر شيئا محقرا، أشبه بفضلات الإنسان، وإنما هو فى حقيقته حياة، تضم فى كيانها هذه المخلوقات البشرية.. إنه الناس، فى صورهم وأشكالهم.. إنه صورهم المضمرة، ووجودهم المستور.. ولهذا صانه الله سبحانه وتعالى، وأودعه هذا القرار المكين الذي أعده له.
وقوله تعالى:
«إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ» .
متعلق بقوله تعالى: «فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ» أي أن هذا المستودع الذي أودع فيه هذا الماء، لا يمسك هذا الماء إلا إلى زمن محدود، وغاية ينتهى إليها، وهى مدة حمل الجنين فى رحم الأم، من استقرار النطفة فيه إلى خروجها منه بشرا سويّا.
وقوله تعالى:
«فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» .
أي فقدرنا بقدرتنا وحكمتنا مسيرة هذه النطفة فى الرحم، وتنقلها فيه من طور إلى طور، وذلك بقدر معلوم، وتقدير موزون، وحساب محكم دقيق..
وقوله تعالى:
«فَنِعْمَ الْقادِرُونَ» هو ثناء من الله سبحانه وتعالى على ذاته الكريمة، التي لا يحسن الثناء عليها، ولا يوفيها حقّها، إلا هو سبحانه وتعالى، وفى هذا يقول الرسول الكريم، فى تمجيد ربه والثناء عليه: «سبحانك..
لا أحصى ثناء عليك.. أنت كما أثنيت على نفسك» ..