قوله تعالى: «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» (92: آل عمران) ولهذا استحق هؤلاء المطعمون لهذا الطعام أن يكونوا فى الأبرار، لأنهم أنفقوا مما يحبون، ومما تشتد رغبة النفس إليه، وحرصها عليه.. والمسكين، واليتيم، والأسير، هم أضعف أعضاء الجسد الاجتماعى، وهم الذين يتلقون أول الضربات وأقساها وأفعلها، فى أزمان المحل، والجدب، فيكونون أول حطب تشتعل فيه نار المجاعات.
فالمسكين قد أضرعه الفقر، وأذلّه الحرمان، حتى فى أوقات الرخاء واليسر، وهو فى حال القحط والمجاعة أشد ضراعة، وأكثر ذلة وضعفا وحرمانا..
واليتيم- والمراد به اليتيم الفقير- قد اجتمع عليه اليتم والفقر معا، فذهب اليتم بالجناح الذي كان يظله، وقصّ الجناح الذي كان يطير به، على حين ذهب الفقر بكل حبة كانت فى عشه.
والأسير، سجين فى قيد الأسر.. إن كان ذا غنى فهو لا سبيل له إلى ما يملك، وإن كان قويّا ذا حول وحيلة، فقد عطّل الأسر كل قواه، وسلبه كل ماله من حول وحيلة.
ومثل الأسير كل من انقطعت وسائله المتاحة له، وحيل بينه وبين مصادر رزقه، وعمله، كالمرضى والمساجين، وأبناء السبيل، وذوى العاهات، ونحوهم.
قوله تعالى:
«إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» .
هو حكاية لقول الأبرار، الذين يطعمون- فى ساعة العسرة- المسكين واليتيم والأسير، فهم إنما يطعمون من يطعمون ابتغاء وجه الله، لا يريدون على ما أطعموا جزاء، ولا شكورا ممن أطعموهم.. ولو أنهم فعلوا ذلك لما كان لهم