وجىء بالجواب فى صورة المستقبل «يوفون» ، مع أن السؤال عن حال من وقع منهم الوفاء كان فعلا فى الماضي قد وقع منهم، واستحقوا الجزاء الحسن عليه- وذلك للإشارة إلى أن هذا الفعل ليس مقصورا على جماعة بأعيانهم، فى زمن معين، بل هو فعل ممتد الزمن على مدى الحياة الإنسانية فى هذه الدنيا، فهو فعل متجدد الأزمان، والأعيان.. وكأنّ الجواب هو هكذا:
هذا الجزاء لمن يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا..
وقوله تعالى: «وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً» - صفة أخرى من صفات هؤلاء الأبرار، وهى أنهم يخافون لقاء الله يوم القيامة، وما يغشى الناس فى هذا اليوم من أهوال وشدائد، فهو يوم شره عظيم مستطير.. فمن لم يعمل حسابه، ويتزود له بالأعمال الصالحة، احتواه هذا الشر، واشتمل عليه.. إنه امتحان قاس لا يجوز بحره المتلاطم إلّا من أعد نفسه له..
قوله تعالى:
«وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» .
أي ومن صفات هؤلاء الأبرار أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. فالطعام الذي عليه قوام الحياة وملاكها، لا يؤثرون أنفسهم به، بل يجعلون لمن يعوزهم هذا الطعام نصيبا منه، ولو كانوا هم أنفسهم فى أشد الحاجة إليه.
وفى قوله تعالى: «على حبه» - إشارة إلى أن هذا الطعام ليس شيئا رخيصا مبتذلا، كشأنه فى أحوال الرخاء، ووفرة حاجات النفوس منه، وإنما هو الطعام فى أحوال القحط، والجدب، وفى أزمان المجاعات التي تكون فيها لقمة الطعام أعز ما يملك الناس، وأثمن ما يحرصون عليه من مال ومتاع، حتى إن المرء ليسترخص كل عزيز يملكه، فى سبيل شىء منه.. وهذا ما يشير إليه