إذ كيف يسوّى بين المسلمين والمجرمين؟ بين أهل السلامة والاستقامة، وبين أصحاب الآثام، وأرباب الجرائم..؟ إن هذا لا يقول به عاقل، ولا يقبله منطق العقلاء! قوله تعالى:
«أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ» هو إضراب على إجابتهم الباطلة، التي أجابوا بها فيما بينهم وبين أنفسهم، على ما سئلوا عنه فى قوله تعالى: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟» والتي أنكرت عليهم، وسفهت أحلامهم من أجلها.. فإذا كان لهم ما يدفعون به عن أحلامهم تلك السفاهة، وأن يضيفوا ما أجابوا به إلى كتاب درسوه وتلقوا عنه هذا الجواب، فليأتوا بهذا الكتاب، إن كانوا صادقين، وليأخذوا من هذا الكتاب ما يختارون، مما يقيم لهم حجة على ما يقولون، فإن أي قول يقولونه من هذا الكتاب سيقبل منهم أيّا كان منطقه، وأيّا كان موقعه من الحق.. إنهم أميّيّون، لا كتاب معهم، وإتيانهم بكتاب أمر غير ممكن لهم.
وفى هذا تحدّ للمشركين، ونفى قاطع أن يكون لهم كتاب.. إنهم لم يكونوا أبدا أهل كتاب، ولو أنهم أرادوا أن يكونوا أصحاب كتاب لما كان لهم غير هذا الكتاب الذي يتلوه عليهم رسول الله..
فقوله تعالى: «إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ» هو احتكام إلى هذا الكتاب، وهو القرآن الكريم، وإلى مقولاته، وهو كتاب لا وجود له بين أيدى المشركين الذين أبوا أن يقبلوه، وأن يضيفوا أنفسهم إليه.
قوله تعالى:
«أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ؟ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ» ..