أمّا لو كان لكلمة المسلمين، مصرف إلى معنى آخر غير معناها الديني، كالسلامة، والبراءة، ونحوها- فإن التسوية بين البريء والمجرم لا يقول بها أحد، ولو قال بذلك لتوجه إليه اللوم، والإنكار، والتسفيه.. وهذا ما يتحقق بكلمة «المسلمين» التي تشير إلى أناس بأعيانهم، هم أصحاب محمد، ثم إلى صفة بارزة في هؤلاء الأصحاب، وهى أنهم أهل سلام، لم يعتدوا على أحد، ولم يعترضوا طريق أحد، بل إنهم هم الذين كانوا يتعرضون للأذى والضرّ من هؤلاء المجرمين، الذين يلقونهم بالمساءة ابتداء من غير سبب! وأما التعبير عن «المجرمين» بدلا من المشركين، الذين يواجهون بهذا الحديث، فهو وصف يلبسهم مع الشرك، لباس المجرمين، الذين يساقون إلى المحاكمة، متلبسين بجرمهم.
فقد يكون المشرك، ولا سلطان لأحد عليه، يأخذه بشركه، ويعاقبه عليه، ولكنّ هؤلاء المشركين، هم واقعون تحت سلطان قاهر، لا يفلتون من عقابه الذي حق عليهم بعد أن بلّغهم الرسول رسالة ربه.. فهم قبل بعثة الرسول إليهم، كانوا مشركين، واقعين تحت قوله تعالى: «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (15: الإسراء) .. أما الآن، وقد جاءهم الرسول، وبلّغهم ما أرسل به إليهم، ولم يقبلوا منه ما دعاهم إليه من الإيمان بالله وحده- أما الآن، فهم مشركون، مجرمون، يساقون إلى الحساب، والجزاء.. وإنه لا جزاء للمشركين المجرمين إلا النّار..
قوله تعالى:
«ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» هو تعقيب على قوله تعالى: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ» .. وفى هذا نخس المشركين، وإيقاظ لهم من غفلتهم، وكشف لهم عن ضلالهم..