فقد جاء المشركون إلى النبي أكثر من مرة، يعرضون عليه، المال والجاه، على أن يدع ما يدعو إليه، فلما أعياهم الأمر، ولم يجدوا من النبي أذنا صاغية إليهم- جاءوا يدعونه إلى أن يعبدوا الإله الذي يعبده، مع آلهتهم التي يعبدونها، وأن يعبد هو آلهتهم التي يعبدونها مع إلهه الذي يعبده، وبهذا يرضونه فى إلهه، ويرضيهم هو فى آلهتهم، فنزل قوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ... » إلى آخر السورة..
وأصل الإدهان: المداراة، والملاطفة، وطلاء الأمر بطلاء زائف، حتى يقبل تحت هذا الزيف..
وقوله تعالى: «فَيُدْهِنُونَ» خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فهم، أي فهم يدهنون..
والمعنى، فلا تطع المكذبين، فهم يدهنون، وودوا لو تدهن.. وهذا يعنى أن المشركين المكذبين هم على حال من الخديعة والغش فيما يقولون..
فهم يدهنون مع أنفسهم، فيخادعونها بهذا الباطل الذي يزينونه لها، وهم يدهنون مع الناس فيما يحدثونهم به، وهم يدهنون مع النبي فيما يعرضون عليه من أمور..
وهذا شأن كل من يمسك بالباطل.. إنه غير مطمئن إليه، فهو يحاول دائما أن يلبسه أثوابا بعد أثواب، من التمويه والخداع، حتى يدارى ما به من علل..
وفى مجىء النهى عن طاعة المكذبين بدلا من النهى عن تصديقهم- إشارة إلى ما هو أبعد من مجرد عدم التصديق، وهو لازمه، إذ يلزم من عدم التصديق للحديث، عدم إجابته والأخذ بمضمونه.. وهذا أبلغ من مجرد