قيامته ساعة موته، وهى- كما قلنا- قيامة من عالم النّيام، عالم الحياة الدنيا- ثم قيامة عامة، وهى التي يبعث فيها الناس جميعا من عالم القبور، حيث تلتقى الأرواح بأجسادها مرة أخرى، على صورة يعلمها الله سبحانه وتعالى..
أما هذه الحياة التي عاشها الإنسان على هذه الأرض، فهى اختبار وابتلاء له، تتكشف فيه حقيقة طبيعته التي أوجده الله عليها..
إنه فى هذه الحياة أشبه بحبة بذرت فى الأرض مع ما بذر من حبوب، ثم لا تلبث كل حبة أن تكشف عن حقيقتها، وعن الثمر الذي تثمره، من جيّد أو ردىء.، فإذا آن وقت الحصاد، جمع كل زرع مع ما بشا كله..
وقد يسأل سائل: ولماذا هذا البذر والغرس؟ أليس صاحب البذر والزرع، هو الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه عالم بما كمن فى هذا البذر من ثمر؟
والجواب على هذا، أن علم الله سبحانه بالمخلوقات قبل أن تخلق، هو علم مكنون.. وخلق المخلوقات فى صورها، وأشكالها، وأزمنتها، وأمكنتها هو إظهار لهذا العلم المكنون، وأنه لولا هذا لما قام الخلق، ولما اتصف سبحانه بصفة «الخالق» ولظلّ الوجود فى حال كمون.. يقول سبحانه:
«هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ» (24: الحشر) .
ويقول سبحانه أيضا: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ» (1- 2: العلق) ويقول جل شأنه: «اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62: الزمر) . فكان مما اقتضته إرادة الله سبحانه أن يخلق هذا الذي خلق من موجودات وعوالم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» (50: طه) .. وبهذا صار لكل مخلوق ذاتيته ومكانه فى هذا الوجود.