وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (2: التغابن) أي خلقكم فمنكم من كانت خلقته مهيأة للإيمان مستعدة له، ومنكم من كانت خلقته لا تقبل الإيمان أبدا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ» (125: الأنعام) وثانيا: أن احتكاك الشر بالخير، كثيرا ما تتولد عنه دوافع قوية، تغرى الخير بالتشبث بموقفه، وإطلاق جميع القوى الكامنة فيه، لدفع هذا الخطر الذي يتهدده.. وإنه لولا هذا الاحتكاك، بين الشر والخير، لظلّت كثير من قوى الخير كامنة، ساكنة أشبه بالطيب فى العود، لا يفوح طيبه إلا عند حكه أو عرضه على النار.. كما يبدو ذلك فى امرأة فرعون.
وهذا يعنى أن ما يبتلى به المؤمنون، الذين صدق إيمانهم، هو تثبيت لهذا الإيمان، وإظهار لكرم جوهره، وصفاء عنصره..
وثالثا: أن الخير وإن كان قليلا فى كمّه، فإنه كثير فى كيفه وأن قوى الشر كلها مجتمعة، لا تستطيع أن تطفئ شعلة الإيمان التي احتواها قلب مؤمن، وإن استطاعت أن تخمد أنفاس هذا المؤمن، وتزهق روحه.. وهذه امرأة فرعون، تقهر بإيمانها جبروت هذا الجبار، وتذلّ كبرياءه، وتلفظه زوجا، وتلفظ سلطانها، ملكة غير آسفة عليه، أو على سلطانها، أو حياتها، فى سبيل الاحتفاظ بهذه الشعلة المقدسة من نور الإيمان، مضيئة فى قلبها.