ذلك أنه إذ لم تكن هناك هجرة بعد الفتح، كما يقول الرسول الكريم:

«لا هجرة بعد الفتح ولكن نيّة وجهاد» - فإنه بهذه المشاعر التي يرتبط بها المسلم بالمسلمين جميعا، وبهذا الدعاء الذي يدعو به، لإخوانه الذين سبقوه بالإيمان- بهذه المشاعر، وبهذا الدعاء، يكون قد بذل من ذاته شيئا، وقدّم لإخوانه خيرا، واقتسم معهم ما يدعو الله به من رحمة ومغفرة، وبهذا أيضا يكون أشبه بالأنصار الذين آووا المهاجرين، واقتسموا معهم أموالهم وديارهم..

وفى قوله تعالى: «وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا» - إشارة أخرى إلى أنه إذا لم يكن من المؤمن وصلة من مال أو دعاء بخير، يصل به إخوانه المؤمنين، فلا أفلّ من أن يخلى قلبه من الغلّ، والحسد، والحقد والبغضة، لإخوانه المؤمنين..

فإذا لم يستطع أن يوصّل إليهم شيئا من الخير، فليمسك يده ولسانه، عن أي شر أو أذّى، يلحق بمسلم من جهته!.

وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ..

وفى جعل الغلّ فى القلوب، إشارة إلى أن القلوب هى مستودع المشاعر، من حب أو بغض، ومن مودة أو جفاء.. وأن هذه المشاعر هى التي تتولد منها الأقوال والأفعال، ولهذا كان على المرء أن يحرس نفسه من الوساوس والخواطر السيئة، ولا يدع لها فرصة كى تتمكن منه، وتستقر فى وجدانه، فإنها إن تمكنت منه، واستقرت فى كيانه، كانت قوة عاملة فى توجيه سلوكه، وتشكيل أعماله..

وأصل الغلّ، من الغلة والغليل، وهو ما يجده الإنسان فى داخله من حرارة العطش، ومعناه هنا: العداوة والحقد، حيث تغلى الصدور، وتحترق القلوب بنار الحقد والعداوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015