الذين جاءوا من بعدهم من المؤمنين، وسلكوا سبيلهم، وامتلأت قلوبهم بهذه العواطف والمشاعر من الحب والإخاء والمودة للمؤمنين جميعا.. وأنه إذا كانت هجرة المهاجرين إلى الأنصار قد جمعت بين المهاجرين والأنصار على الحب والمودة والإخاء، فجعلت منهم تلك الهجرة أسرة واحدة، يقتسم أفرادها السراء والضراء فيما بينهم- إذا كانت الهجرة قد عقدت بين المؤمنين هذا العقد الموثّق- فإنه ليس من الضروري أن تكون هناك هجرة كتلك الهجرة، حتى ينتظم المؤمن فى هذا العقد، ويأخذ مكانه فيه، بل إنه من الممكن دائما وفى أي زمان ومكان، أن يهاجر المؤمن بقلبه ومشاعره إلى إخوانه المؤمنين، وإنه لمن الممكن دائما وفى كل زمان ومكان، أن يجعل المؤمن قلبه ومشاعره مهاجرا إلى المؤمنين، فإذا هاجر إليهم، وجد فى ظلهم الحب والرحمة والإخاء، وإذا هاجروا إليه نزلوا من قلبه، ومشاعره منزل الإعزاز والإكرام..

وبهذا يستطيع المؤمن أن يجمع بين الهجرة والنّصرة، فيكون من المهاجرين، ويكون من الأنصار.. وذلك إنما يكون حين يفتح قلبه، لكل مؤمن، ويخلط مشاعره بكل مؤمن.. فإن كان فقيرا، وجد لفقره عندهم غنى وإن كان ضعيفا وجد لضعفه فيهم قوة.. وإن كان غنيّا، وجد فقيرهم من غناه، غنىّ، وإن كان قويا وجد ضعيفهم من قوته قوة..

فهذا هو المؤمن، الذي يدخل مع المؤمنين الداخلين فى قوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» ..

وفى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» إشارة إلى تلك الوسيلة التي يتوسل بها المؤمنون اللاحقون، إلى أن ينتظموا فى سلك المؤمنين من المهاجرين والأنصار..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015