القول هنا ليس بلسان المقال، وإنما هو بلسان الحال. ومعنى هذا أنه إذا وجد المسلمون فى مجلس، ثم دعت الحال إلى أن يدخل عليهم غيرهم، كان واجبا عليهم أن يفسحوا لهذا الغير، وأن يسعوه فى مجلسهم، دون أن يقال لهم افسحوا..

فإن الانتظار إلى أن يقال لهم هذا القول لا يليق بالمؤمنين، فذلك أمر لا يكون إلا عن طباع بليدة، ونفوس جفّت مشاعر الإنسانية فيها..

وكذلك الشأن إذا دعت الحال إلى أن ينصرف أهل المجلس، وأن يغادروا مجلسهم بعد أن يأخذوا حاجتهم منه، فإن الجلوس بعد هذا مضيعة للوقت، داعية إلى طرق أحاديث من اللغو، والبعث بعد أن فرغ حديث الجد والنفع..

فليس هناك فى تلك الحال قول يقال لأهل المجلس: أن انشزوا وانفضوا، وإنما الحال نفسها هى التي تدعو إلى انفضاض المجلس.. وهذا من شأنه أن يقيم المؤمن على حال من الوعى واليقظة، والالتفات الدائم إلى نفسه، والتنبه إلى ما حوله من الناس والأحداث، فلا يكون أبدا فى حال من الذهول والتبلد، بحيث لا يتحرك إلا بمهماز، كما تتحرك الدواب البليدة بالسياط تنهال عليها..

وإذا أردنا أن نلتمس لهذا الخبر متأوّلا- على فرض صحته- فهو أن النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، لم يقل هذا القول إلا لجماعة من المنافقين، كانوا يحضرون مجلس النبىّ، ممن أشار إليهم سبحانه وتعالى بقوله: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً.. أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» (16: محمد) - فكان قوله صلوات الله وسلامه عليه، قم يا فلان، وقم يا فلان- هو إشارة إلى هؤلاء المنافقين، وفضحهم عند أنفسهم، وخزيهم بين جماعة المسلمين التي دخلوا فيها متلصصين، متربصين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015