فالمناسبة ظاهرة بين هذه الآية والآيات التي قبلها، والتي كان من دعوتها، ألّا يحسن الإنسان الظن بنفسه، وألا يزكيها، ويعللها بتلك الأوهام الخادعة..
فجاءت هذه الآية عارضة لضحية من ضحايا الخداع النفسي، الذي يورد صاحبه موارد الضلال والهلاك..
وقوله تعالى: «تولّى» أي أعرض عن ذكرنا، وكذّب برسولنا.
وقوله تعالى: «وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى» .. الواو هنا واو الحال، والجملة حال من فاعل «تولى» على تقدير الحرف «قد» بعدها، أي تولى وقد أعطى قليلا وأكدى.
وإعطاء القليل، هو ما أعطاه من نفسه من ميل قليل إلى الاستجابة للرسول والإيمان به.. ثم لم يلبث أن غلبته نفسه الأمارة بالسوء، واستبدّ به طبعه النكد فنكص على عقبه، وأبى على هذه الشرارات المضيئة أن تنطلق من نفسه، فتضىء له طريقه إلى الله.. فأمسك بها، وأطفأ جذوتها.
وقوله تعالى: «وأكدى» أي شحّ وبخل، وصار أشبه بالكدية، وهى الأرض الصلبة، التي لا تنبت نباتا، ولا تفجر ماء.
وقوله تعالى: «أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى» استفهام إنكارى لهذا الاتجاه الذي أخذه هذا الضال، بعد أن أقام وجهه قليلا على مطلع الهدى والنور ثم عدل عنه..
فعلى أي أساس أقام وجهه على هذا الطريق الضال؟ وبأية حجة أو برهان قدر لنفسه هذا الخير الذي يمنيها به على هذا الطريق؟ أطّلع الغيب، فرأى عاقبة أمره، وما ينتظره على هذا الطريق؟ أم أنه يضرب على غير هدى، لا يصحبه على طريقه هذا إلا السراب الخادع الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الحسرة والندم ملء يديه؟ .. ومثل هذا قوله تعالى: «أَفَرَأَيْتَ