والله سبحانه وتعالى يقول: «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» ..
(8: فاطر) ..
وقوله تعالى: «هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» أي أن الله سبحانه وتعالى، هو أعلم بمن تزكى وتطهر منكم، أما أنتم فلا تعلمون ما بلغت نفوسكم من تزكية وتطهير..
فقد يرى المرء منكم نفسه فى حال معجبة له من الطهر، والزكاة، وهو ملطخ بالآثام، غارق فى المنكرات، وقد يخيل لأحدكم أن أعماله مبرورة مقبولة، وهى مردودة عليه.. فالذى يعلم حقيقة الإنسان، وما هو فيه من خير وشر، وما هو عليه من هدى وضلال- هو الله سبحانه وتعالى، كما يقول جل شأنه:
«وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» (220: البقرة) وإذن، فإن المطلوب من الإنسان أن يكون دائما متهما لنفسه، طالبا السعى إلى غسلها من الأدران، متعهدا لها بالنظافة فى كل وقت، كما يتعهد جسده بالغسل والنظافة.
وفى التعبير عن التزكية والتطهير بالتقوى فى قوله تعالى: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» بدلا من أن يقال هو أعلم بمن تزكى، الذي يقتضيه فى الظاهر سياق النظم- فى هذا إشارة إلى أن «التقوى» هى وسيلة التزكية والتطهر وأن من أراد أن يطهر نفسه ويزكيها، فلا سبيل له إلا بالتقوى.. والتقوى- كما يقول بعض العارفين: «هى أن يراك الله حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك» .
قوله تعالى:
«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى» .
الاستفهام هنا تعجبى إنكارى، من هذا الإنسان الضال، الذي أعجب بنفسه، فحمله هذا الإعجاب على أن يتمنّى هذه الأمانى الباطلة، ويعدها تلك الموعود الخادعة، ويحسب بذلك أنه أربح الناس صفقة، وأهداهم سبيلا..