ويلبسه لباس الإيمان الذي كاد يتعرّى منه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها..»
(60- 62: المؤمنون) فهؤلاء هم الذين أحسنوا، وهؤلاء هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وهؤلاء هم الذين يقعون تحت حكم قوله تعالى: «إِلَّا اللَّمَمَ» .. فإن اللمم الذي يجترحونه، هو من جراحات معركة قد كانت حامية الوطيس، بين أهواء النفس، وبين وازع الإيمان بالله، والخشية له، والخوف منه.. وإن جراحات هذه المعركة، التي أصيب فيها المؤمن المجاهد لأهواء نفسه وشهواتها، لتجد لها عند الله، من مرهم الرحمة والمغفرة، ما يعفّى عليها، ويذهب بآثارها، ويكتب العافية والشفاء، للمصاب بها..
أما الذين يتخذون من قوله تعالى: «إِلَّا اللَّمَمَ» رخصة إلى تقحّم هذه المنكرات، واستساغة مطمعها الخبيث، واعتياد غشيان مواقعه، والتردّد على موارده- فإنه مهلكة لا نجاة منها، وجراحات لا شفاء لها، وإنه لهو الحرب السافرة لله، ولشريعة الله، إنه لهو العدوان المتعمد على حدود الله..
«وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» (1: الطلاق) .
وقوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ» .. ليس بالذي يغرى بالجرأة على الله، وبمجاوزة الإلمام بالفاحشة إلى مقارفتها والوقوع فيها، وإنما هو عند الذين فى قلوبهم إيمان بالله، وحياء منه، وخشية له- داعية إلى الإقبال على الله، وإلى السعى حثيثا إلى ساحة فضله، وإحسانه، ليلقى المؤمن ربه بقلب سليم وكيان نظيف يليق بهذه الساحة الكريمة التي يحلّ بها..
وقوله تعالى: «هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي