بأن ينزع عن هذا اللمم، مادام هذا الشعور بالخوف من الله قائما فى قلبه! ..

وإنه لمن التأويل الفاسد والفجور الآثم، أن يقف المؤمن عند حدود الفاحشة، فلا يأتيها، ثم يستبيح لنفسه الحوم حولها، والإلمام بها، وغشيان حماها، متخذا من قوله تعالى: «إِلَّا اللَّمَمَ» مدخلا يدخل به إلى مباءة الفاحشة، دون تحرّج أو تأثم، بهذا التأويل الفاسد الآثم، الذي يتأول عليه بعض المتأولين.

وكلّا، فإن الّلمم بالفاحشة ذريعة إلى الفاحشة، وطريق ممهد إليها.. وأن من يحوم حول الحمى يوشك أن يواقعه، كما يقول الرسول الكريم.. وإن سدّ الذرائع أمر من أوامر الإسلام، وشريعة من شرائعه.. فقد حرمت الشريعة قليل الخمر، ولو قطرات، كما حرمت كثيره، لأن قليله يدعو إلى كثيره، المفضى إلى السكر الذي هو علة تحريم الخمر..

فكذلك اللمم من الفاحشة، كالنظرة الفاجرة، أو الخلوة بغير المحرم من النساء، أو اللمس، أو التقبيل.. فهذا وإن لم يكن الفاحشة التي هى الزنى، فإنه الطريق إلى الزنى، والمحرك للشهوة، والمطلق لها من عقالها، الأمر الذي إن حدث، غلب الإنسان على أمره، وأفلت الزمام من يده، فوقع فى المحذور الذي يتوقاه..

فاستثناء اللمم ليس مبيحا له فى الآية الكريمة، أو رافعا الإثم عنه، بل هو مأثم، إن لم يكن فى عظم مأثم الفاحشة نفسها، فهو بعض منها..

وهذا الاستثناء، إنما هو من باب الرحمة بالإنسان، والتخفيف عن ضعفه البشرىّ، فى حال- وليس فى مطلق الأحوال- يغلبه فيه ضعفه، فتندّ منه النظرة، أو تفلت منه الهفوة، ثم سرعان ما يدركه إيمانه ويهتف به وازع الخشية من ربّه، فيرجع إلى ربّه من قريب، فيجد ربّا غفورا، رحيما، يلقاه بالمغفرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015