عنده عاقل، ويشغل به قلبه وعقله؟ وماذا يجد العقل فى حجر من بين تلك الأحجار التي تسدّ الأفق من حولهم؟ وماذا يجد العقل فى شجرة من تلك الأشجار النابتة فى صدر الصحراء؟ والرؤية هنا رؤية بصرية، لا قلبية علمية، كما يرى ذلك أكثر المفسّرين، الذين يطلبون للفعل مفعولا ثانيا محذوفا، ويقدرونه هكذا:
أفرأيتم هذه المسميات بنات الله آلهة تعبدونها من دونه؟ وهذا تكلف يفسد المعنى..
فإن سؤالهم هنا عما يرونه واقعا تحت أبصارهم فى مواجهة ما رأى النبي ببصره من آيات ربّه الكبرى.. فهذه هى مواقع أبصارهم وما تراه، وهذا هو موقع بصر النبي وما رآه.. وشتان بين موقع وموقع، وبين ما يرى على تراب الأرض، وما يرى فى عالم الحقّ، ومطالع النور..!!
واللات: صخرة كانت لثقيف.. اتخذت منها صنما تعبده.
والعزّى: معبود من معبودات قريش.
ومناة: معبود من معبودات قريش أيضا..
وفى وصف «مناة» بالأخرى تشنيع عليها، وعلى ما عطفت عليه من أصنام قبلها.. إنها شرّ يضاف إلى شر، وبلاء يجتمع إلى بلاء، وسخف يلتقى مع سخف..
وليس قوله تعالى: «الأخرى» نعتا للعزّى، كما يقول بذلك أكثر المفسرين، وأن هذا الوصف أخّر رعاية للفاصلة، على تقدير: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» . وذلك حسب تقدير المفسّرين، أن الأخرى إنما تجىء وصفا للثانية، لا الثالثة من هذه الدّمى المعبودات.