واختيار شجرة السدر، للدلالة على النهاية التي لا يتجاوزها مخلوق من العالم العلوي- لأن شجر السدر شجر صحراوىّ، ينبت على حافة الصحراء، بين البادية والحاضرة، فهو بهذا أمارة من أمارات البادية التي تكاد تماسّ الحياة الحضرية، وتقف على عتبتها، دون أن تتجاوزها إلى ما وراءها.. إنها أقوى، وأقدر نبت أصيل من نبات البادية، يستطيع أن يمتد فيصل إلى مشارف العالم الحضري.
أما النخل- فإنه وإن كان من نبت الصحراء، إلا أنه لا ظلّ له، يجتمع الناس تحته.، كما هو الشأن فى شجر السّدر.
وأما العنب والرمان، ونحوها، فإنها من نبات الحضارة أصلا، ثم استجلبت إلى البادية.
وعلى هذا، فإن شجرة السدر هنا تشير- والله أعلم- إلى نقطة التقاء بين عالمين عالم «البشر» الذي تتحرك فيه البشرية جميعها، والتي تستطيع بما يمدها الله سبحانه وتعالى من فضله أن تصعد فى هذا العالم حتى تبلغ سدرة المنتهى، ممثلة به فى خاتم النبيين، محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وعالم الملائكة المقربين، الذين جعل الله لهم وراء سدرة المنتهى مجالا آخر. ينطلقون فيه، ومنهم جبريل عليه السلام.
والضمير فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ» يراد به النبي- صلوات الله وسلامه عليه- أي أن النبي رأى جبريل نزلة أخرى، وهو فى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى.
وفى قوله تعالى: «نَزْلَةً أُخْرى» - إشارة إلى أن جبريل- عليه السلام- نزل نزلة أخرى فى العالم العلوي، غير تلك النزلة التي ينزلها إلى العالم الأرضى.
وإنه التقى برسول الله عند سدرة المنتهى، التي عندها جنة المأوى.. وهذا يعنى أن جبريل عليه السلام نزل من العالم العلوي، مما فوق سدرة المنتهى، حتى