وفى التعبير عن التّعس والخسران، بالمصدر «فَتَعْساً لَهُمْ» ، وعن ضلال الأعمال، بالفعل «وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» .. فى هذا ما يشير إلى أن التّعس والبوار والخسران، صفة ملازمة لهم، مستولية على كيانهم كله، فى أقوالهم وأفعالهم، وفى ماديات حياتهم ومعنوياتها.. فالمصدر- كما قلنا- يجمع كل معانى الأحداث المشتقة منه.. على نحو ما أشرنا إليه فى قوله تعالى «فَضَرْبَ الرِّقابِ» . أما ضلال أعمال الكافرين، فهو حدث متسلط على أعمالهم، فكن ما يقع منهم من عمل تسلط عليه الضلال، وطواه تحت جناحه..
وفى التعبير بالماضي «أضل» بدلا من المضارع «يضل» - إشارة أخرى إلى أن الكافر محكوم مقدما على كل عمل من أعماله بالضلال، دون نظر فى وجه العمل، فإنه يستوى فى ذلك الحسن والقبيح، والخير والشر، من أعمال الكافرين.. إذ كل أعمالهم قبيحة، وكل أفعالهم شر.. هكذا تقع أعمال المشركين تحت حكم الضلال، وقوعا مطلقا، فلا ينتظر فى الحكم عليها حتى ينكشف وجهها، ويعرف الحسن والقبيح منها.. إنها كلها قبيحة الوجوه، منكرة الوجود، قبل أن تولد! ..
قوله تعالى:
«ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» ..
هذا بيان للسبب الذي من أجله كل الحكم عليهم بالبوار والخسران، وبإبطال كل عمل يعملونه، ولو كان مما يعدّ فى الأعمال الصالحة.. إنهم «كرهوا ما أنزل الله» .. وهو القرآن الكريم، الذي يدعوهم إلى الإيمان بالله، ويحمل إليهم الهدى والنور..
وكراهيتهم لما أنزل الله، هى التي دعتهم إلى اتخاذ هذا الموقف العدائىّ لرسول الله، ولآيات الله التي يتلوها عليهم.. فإن من كره شيئا تجنبه،