وفى إسناد نصر الله إلى المؤمنين تكريم لهم، ورفع لقدرهم، وإنزالهم منزلة المعين لله، المؤيّد له، والله سبحانه غنى عن كل معين ومؤيد.. إذ كل شىء فى هذا الوجود هو منه، وله.. لا يملك أحد شيئا.. فكيف يطلب النصر من خلقه الذين لا يقوم وجودهم لحظة واحدة إلا بحفظه، ورعايته؟ إن ذلك- كما قلنا- هو تكريم للمؤمنين، وإحسان من الله إليهم. كما فى قوله تعالى:
«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» .. فالله سبحانه هو المعطى لكل ما فى أيدى الناس.. ثم هو سبحانه- فضلا وإحسانا منه- يدعوهم إلى أن يقرضوه مما أعطاهم!!.
وفى قوله تعالى: «يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» - إشارة إلى أن نصر المؤمنين لله، ليس نصرا على حقيقته، وإنما هو مظهر من مظاهر الطاعة والولاء لله..
وإلا فإن النصر الحقيقي هو الذي يمنحه الله سبحانه وتعالى المؤمنين، ويمدهم بالأسباب الممكنة لهم منه.. فهو سبحانه الذي ينصرهم على عدوهم، وثبت أقدامهم فى مواقع القتال على حين يملأ قلوب الذين كفروا رعبا وفزعا..
«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (10: الأنفال) .. ومع أن هذا النصر من عند الله، فإنه محسوب للمؤمنين، يلقون عليه أحسن الجزاء فى جنات النعيم.
قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» .
هو فى مقابل قوله تعالى للمؤمنين: «يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» فإنه- سبحانه- إذ ينصر المؤمنين ويثبت أقدامهم- يخذل الكافرين، وينزلهم منازل البوار والتعس، ويبطل أعمالهم، فلا يقبل منهم عدلا ولا صرفا. فكل عمل للكافرين إلى ضلال، وضياع.. وإذ كان الإنسان من وراء عمله، ينظر إليه، ويتبع آثاره ليجى ثمرة ما عمل، فإن الكافرين ستقودهم أعمالهم التي أصلها الله، إلى الضلال، وإلى عذاب السعير.