ومروءتهم شهوة الانتقام والتشفّى.. بل كانوا على هذا الأدب الرباني فى السلم والحرب، وفى حال الهزيمة والنصر..
يقول أبو بكر رضى الله عنه، وهو يودّع يزيد بن أبى سفيان وكان أحد القواد الأربعة، الذين وجههم أبو بكر لحرب الروم فى الشام:
«إنى موصيك بعشر خلال.. لا تقتل امرأت، ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخرّب عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمّا كله، ولا تعقرنّ نخلا ولا تحرقه، ولا تغلل، ولا نخن» .
وقوله تعالى:
«فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً» .. هو تعقيب على قوله تعالى: «حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ» .. إذ المراد بشدّ الوثاق- كما قلنا- هو عزل الذين يثخنون بالجراح عن القتال، ثم أخذهم فى الأسرى، وإنزالهم على حكم الأسر.. إذ ليس الجريح من الأسرى إلا واحدا منهم، فلا يؤخذ بحكم المقاتلين، فيجهز عليه.. وهذا ما جاء فى قوله تعالى: «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً» .. لتقريره، ولدفع ما يقع من شبهة فى معاملة الجرحى، وإلحاقهم بالمحاربين الذين تضرب رقابهم..
فهؤلاء الجرحى من مقاتلى العدوّ، يؤسرون، ثم يؤخذون بحكم الأسرى على إطلاقه، وهو إما أن يمنّ عليهم، ويطلق سراحهم، تفضلا عليهم، وإحسانا إليهم، ومقابلة إساءتهم وعدوانهم بهذا الفضل والإحسان وإما قبول الفدية منهم، وهو عوض مالىّ، أو عيني، أو شخصىّ.. وذلك بأن يفرض على تخليص الأسير من الأسر قدر من المال، أو السلاح، أو المتاع، أو بتخليص أسير فى يد العدو من أسرى المسلمين..