تُرْحَمُونَ»
(204: الأعراف) .. فالرحمة إنما ترجى لمن يمتلىء قلبه بإيمان الله وخشيته، ولن يقع الإيمان والخشية إلا لمن يتلقاها من آيات الله وكلماته..
ولا يتلقى من آيات الله وكلماته شيئا إلّا من أنصت خاشعا، ونظر مفكرا، واستمع متدبّرا..
قوله تعالى:
«فَلَمَّا قُضِيَ» أي فرغ من تلاوة ما كان يتلى من القرآن..
وفى التعبير، بالفعل «قُضِيَ» بدلا من فرغ، أو انتهى، ونحوهما مما يدلّ على بلوغ الغاية- إشارة إلى أن حقّا يقضى، ومطلوبا يطلب..
فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يقصد بتلاوة القرآن فى ليلته تلك ذكر ربه، وإرواء قلبه، بكلمات الله ويأته.. والجنّ الذين استمعوا. قد كان مجلسهم للاستماع، إنما هو لا لنماس خير، وطلب هدى.. وقد قضى النبي الكريم مأربه، بتلاوة ما تيسر له من القرآن، كما قضى الجنّ طلبتهم فيما جاءوا له، من التماس الخير والهدى..
قوله تعالى:
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
عاد القرآن الكريم إلى مواجهة المشركين، بعد أن ساق إليهم هذا الخبر العجيب الذي يحدّث عن استماع الجن لهذا القرآن، الذي، كذبوا به، وسخروا من الرسول الذي يتلوه عليهم، مع أن الكتاب كتابهم، واللسان الذي ينطق به لسانهم، والرسول الذي يتلوه عليهم بشر مثلهم، وواحد من قومهم! فهل بعد هذا الضلال ضلال؟ وهل بعد هذا الخسران خسران؟