فكيف يقال- مع هذا- إن عددهم كان كذا، وأن أسماءهم هى كيت وكيت، وأن موطنهم هو كذا، وأن قبيلتهم هى كيت؟.
كيف يقال هذا، والنبي- صلوات الله وسلامه عليه- لم يحدّث بشىء منه قطعا، لأنه لا يحدث إلا بما يعلم، وهو لم يعلم من أمر هؤلاء الجنّ شيئا، حتى أعلمه الله سبحانه، أن جماعة من الجن قد استمعوا إليه، دون أن يراهم، أو يشعر بهم!.
ونعود إلى شرح ما فى الآيات من مفردات، وعبارات..
قوله تعالى: «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ» - صرف الشيء حوله من حال إلى حال، ومن موقف إلى موقف، وصرف الشيء إلى الشيء توجيهه إليه..
ومنه تصريف الرياح، أي إطلاقها من مهابتها التي تهبّ منها إلى الجهات الموجهة إليها..
وهذا يعنى أن الله سبحانه وتعالى، قد وجّه هؤلاء النفر من الجنّ، إلى حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، يتلو القرآن..
النفر: الجماعة التي تصلح للنفير من ثلاثة إلى عشرة.
قوله تعالى: «فَلَمَّا حَضَرُوهُ» أي كانوا بمحضر منه، بكيانهم كلّه، حسّا ومعنى، فالحضور هنا حضور تجتمع له ملكات الحاضر كلها.. ولهذا كان من الجن هذا الإدراك السّريع، والفهم الفاقة لما استمعوا إليه من آيات الله، وإنه ما إن وقع لآذانهم شىء من القرآن، حتى خشعوا بين يديه، وقالوا بلسان واحد: «أَنْصِتُوا» .. وهذا الإنصات الخاشع اليقظ، هو الذي يفتح المدركات إلى آيات الله، ويجعل للبصائر بصرا هاديا إلى مواقع العبرة والعظة منها، ولهذا جاء قوله تعالى: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ