الآخر: «إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» .. أي أن أهل الجنة قد ذاقوا هذه الموتة الأولى، التي كانوا على إيمان بالحياة والبعث بعدها، فكان هذا الإيمان سببا فى خلاصهم من عذاب النار، كما كان سببا فى هذا النعيم الذي هم فيه.. ومذاق هذه الموتة عندهم، غير مذاقها عند من يكذبون بالبعث.. حيث يجد المؤمنون بالبعث، أن هذا الموت سبيل إلى الحياة الآخرة، وإلى لقاء الله، وإلى ما أعد الله للمؤمنين المحسنين من جزاء كريم، على حين يجد المكذبون باليوم الآخر، أن الموت هو حكم عليهم بالفناء الأبدى، الذي يتحولون بعده إلى تراب فى هذا التراب..
إنه الضياع الأبدى لهم، والفراق الذي لا لقاء بعده للأهل والولد! فهم يعذبون بالموت فى الدنيا، كما يقول الله سبحانه وتعالى: «وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ» (55: التوبة) وهم كذلك يعذبون بهذا الموت فى الآخرة، إذ كان هو الذي انتقل بهم إلى هذا العذاب الجهنمى الذي يتجرعون كئوسه ألوانا..
فهذا الموت، الذي ذاقه المؤمنون فى الدنيا، هو سبب مسراتهم التي يسرّون بها فى الجنة، إذ يذكرونه- وهم فى الجنة- فيذكرون أنه هو الذي أوصلهم إلى هذا النعيم، فلولا الموت لما كان البعث..
قوله تعالى:
«فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» .
هو تعليل لقوله تعالى: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» أي أن ما قضى الله سبحانه وتعالى به فى أهل الجنة، من أنهم