وقوله تعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» - هو مما يساق إلى هذا الأثيم، من ألوان العذاب.. فهو إذ يشوى بنار جهنم، يصبّ فوق رأسه ما ينضح عليه من لهيبها من عرق، ليتبرّد به. ثم يلقى فى أذنه بهذه التحايا التي كان يتلقاها فى دنياه من ندمائه وأتباعه.. وإنها لتحايا تملأ قلبه حسرة وكمدا.. «ذُقْ» ! وأي شىء يذوق؟ مهلا يغلى فى بطنه، وحميما يصبّ فوق رأسه، ونارا تقطّع له منها أثواب فوق أثواب!.
هذا هو نعيمه الذي ينعم به، وتلك هى التحايا التي يحيّا بها، والكؤوس التي يتناولها من يد السقاة والندمان!! وإنه مع هذا هو العزيز الكريم.. يحضره فى هذا البلاء المشتمل عليه- ما كان له فى دنياه من عزة ومنعة فى قومه، وما كان له من كرامة فيهم، وإكرام منهم.. فهذان شاهدان من أهله- عزته وكرامته- يشهدان هوانه، وذلته.. وإنه ليس أشد إيلاما للنفس، ولا إزعاجا للفؤاد، من أن يفتضح المرء فى أهله، وأن يعرّى على أعينهم، مع ما كان له فيهم من عزة وكرامة..
قوله تعالى:
«إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ» .
عاد الخطاب إلى الجماعة، بعد أن شهدوا أنفسهم فردا فردا، فى شخص هذا العتلّ الأثيم، الذي تجرع كئوس العذاب والهوان ألوانا مترعة.. فهذا العذاب، هو الذي كان يمترى فيه، أي يجادل فيه هؤلاء الضالون، الذين كانوا يجادلون من يحدثهم عن اليوم الآخر، ويحذرهم من لقاء ربهم فيه، على ما هم عليه من شرك وضلال..