القيامة.. وقد جاءت هذه الصورة من العذاب، مفردة، حيث تحصر فى إطارها إنسانا ظالما، باغيا، من هؤلاء الظلمة الباغين.. فيبدو فى هذه الصورة وكأن العذاب الجهنّمى قد احتواه وحده، وفى شخصه هذا يرى كل ظالم أثيم أنه هذا الإنسان الشقي المنكود، يتقلب وحده فى هذا العذاب الذي تقشعر من هوله الجبال!.
وشجرة الزقوم، كما وصفها القرآن الكريم هى شجرة: «تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ» .. وإن شجرة تغتذى من جهنم، وتمتد أصولها وفروعها بين جمرها ولهيبها، لهى شجرة أقوى من جهنم، وأعتى من النار.. فكيف بثمرها هذا الذي تختصر وجودها كله فيه؟ إن هذا الثمر هو طعام الأثيم!! .. وإنه كالمهل، أي خثارة الزيت بعد غليانه..
وقوله تعالى: «خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ» - هو تنكيل بهذا الأثيم، ومضاعفة لما يلقى من ذلة وهو ان فى هذا اليوم، حيث يساق إلى جهنم بين زبانيتها سوقا عنيفا، ثم يعتل عتلا، ثم لا يلقى به حيث يقع، بل يدفع به دفعا حتى يبلغ سواء الجحيم، أي وسطها، ومركز دائرتها..
وبهذا يتلّقى من العذاب أقساه وأشده..
وقوله تعالى: «ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ» - هو عذاب إلى هذا العذاب، الذي يأكل هذا الأثيم أكلا، ثم يلفظه، ثم يأكله..
وهكذا.. وما يصبّ فوق رأسه ليس ماء، وإنما هو عذاب.. ولكنه من حميم، أي من ذوب جهنم، ونضيج عرقها!! ..
والحميم: الماء الحار الذي يغلى.. ومنه الحمّى، لاشتداد حرارة المريض بها..