ما يتهددهم به القرآن من عذاب، هو العذاب الدنيوي، الذي يرونه رأى العين، والذي يكون فيه عبرة وعظة، تفتح لهم الطريق إلى الإيمان بالله، كما يقول الله سبحانه عن غزوة بدر: «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ.. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» (13: آل عمران) .
وقوله تعالى: «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ» .. هو استبعاد لأن يقع فى نفوس المشركين شىء من العبرة والتذكر من هذا الابتلاء الذي ابتلوا به من القحط، الذي كان آية على صدق النبىّ، وعلى صلته بربّه، إذ كان هذا القحط دعوة مستجابة له من الله، كما كان رفع هذا البلاء عنهم استجابة أخرى للنبىّ من الله سبحانه وتعالى.. فهو معجزة من معجزات النبىّ، المادية، بعد أن ملأ النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- الدنيا عليهم، بالمعجزة الكبرى، التي تطلع عليهم من آيات الله وكلماته..
فماذا تفعل هذه الآية فى نفوس تحدّت الرسول وما بين يديه من كتاب مبين، تنطق آياته وكلماته بالمعجزات التي لا تنتهى؟ لقد تولوا عنه، وأعرضوا عن الاستماع إليه، والنظر فيما بين يديه، واتهموه بالكذب والافتراء والجنون، وقالوا «مُعَلَّمٌ» أي علمه غيره، و «مَجْنُونٌ» يهذى بهذا الذي اختطفه من علم العلماء!! وفى وصف الرسول الكريم بأنه «مُبِينٌ» ، إشارة إلى القرآن الكريم الذي بين يديه، والذي فيه البيان المبين إلى الهدى ودين الحق، وأنه بهذا القرآن يقدم الحجة الدامغة، والسلطان المبين، كما يقول سبحانه: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» (44: النحل) .
وقوله تعالى: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» .. هو حكم