والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب لكل مؤمن بالله ورسوله.. وقد كان النبي صلوات الله وسلامه عليه المثل الكامل فى امتثال هذا الأمر الإلهى، وتطبيقه على أكمل صورة وأنمها، وحياة الرسول كلها مليئة بالشواهد لهذا.. فعلى كل خطوة من خطواته الشريفة على طريق دعوته، يقوم شاهد يحدّث بإحسان الرسول الكريم إلى من يسيئون إليه، ويؤذونه وحسبنا أن نذكر هنا موقفه فى أحد، وقد أثخنه المشركون جراحا، فما زاد صلوات الله وسلامه عليه، على أن قال: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون» ..
ثم بحسبنا أن نذكر موقفه يوم الفتح، وقد أصبح المشركون فى قبضته، وفيهم كثيرون ممن آذوه بالقول وبالعمل، بل إن فيهم «وحشيّا» قاتل عمّه حمزة..
وقد لقى الرسول الكريم هؤلاء المشركين جميعا بالصفح الجميل، وقال لهم قولته الخالدة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» .
قوله تعالى:
«وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» .
فى الآية الكريمة إشارة إلى أن هذا العمل، وهو دفع السيئة بالحسنة، ليس بالأمر الهيّن الذي تستطيع كل النفوس احتماله، وإنما هو من صنيع النفوس الكبيرة، التي آتاها الله قوة على الصبر والاحتمال، فلا يعكّر صفوها هذا المكروه الذي ورد عليها..
ما يضير البحر أمسى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر!
وفى قوله تعالى: «وَما يُلَقَّاها» .. إشارة إلى هذه الدرجة من العظمة الإنسانية، وإلى أن متنزلها من عل، وأنها هبة من هبات الله سبحانه، وعطاء من عطاياه. «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» من فضل الله وإحسانه..