جاء النفي بعدم التسوية واقعا على المسيء: «وَلَا الْمُسِيءُ» وكأن القضية من وجهة نظر أخرى هى هكذا: «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ» ..
وقوله تعالى: «قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ» أي قليل منكم أيها الناس من يتذكر ويعقل هذه الأمثال.. وقليل تذكّر من يتذكر منكم، إذ النسيان غالب عليكم.
قوله تعالى:
«إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» وإذا كانت القضية قضية تفرقة بين المؤمنين ذوى البصائر، والكافرين الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم، وإذ كان هناك مؤمنون وكافرون- فقد حسن أن تعرض هذه الحقيقة التي هى المحكّ الذي يعرف به إيمان المؤمنين وكفر الكافرين، وتلك القضية، هى قضية البعث والحساب والجزاء.. فمن آمن باليوم الآخر. فهو المؤمن حقا، لأنه لا يؤمن من يؤمن باليوم الآخر إلا إذا كان مؤمنا بالله إيمانا خالصا، مبرّأ من كل شرك.. ومن كفر بالآخرة، فهو كافر بالله، أو مشرك به..
ومن هنا، جاء هذا الإعلان فى قوله تعالى: «إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها» ليكون فى ذلك اختبار لإيمان المؤمنين، وكفر الكافرين.. فمن تقبّل هذه الحقيقة، وصدّقها، واستيقن بها، فهو من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومن كذب بها، أو شكّ فيها، فهو من الضالين المسيئين..
وقوله تعالى: «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» هو بيان لما ينكشف عنه امتحان الناس بهذا الإعلان، وبتصديقهم به، أو تكذيبهم.. وقد كشف هذا الامتحان عن أن أكثر الناس لا يؤمنون، لأن أكثر الناس كذلك لا يعلمون ولا يتذكرون.. كما يقول تعالى فى الآية السابقة: «قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ»