السَّماواتِ.. فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى.. وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً!» .
والأمر- كما ترى- هزل، ليس فيه شىء من الجدّ.. وإنما هو تكأة يتكىء بها فرعون على كرسىّ سلطانه الذي يكاد يسقط من فوقه! إذ كيف يبنى «هامان» صرحا يرتفع به إلى السماء؟ وفى كم من الزمن يتمّ بناؤه، إن كان ذلك الأمر مستطاعا، وكان محمولا على محمل الجدّ؟ وهل ينتظر فرعون بموسى هذا الزمن المتطاول حتى يتم بناء الصرح، ويصل به إلى أبواب السماء، ثم يطرقها، ويبحث عن إله موسى هناك؟ إنها مما حكات وتعلّات يتعلل بها فرعون، ليخلص من هذا المأزق الذي أوقع فيه نفسه، بإعلان رأيه فى قتل موسى والخلاص منه! وما نحسب أن «هامان» بنى هذا الصرح، وإن تلقّى أمر فرعون فى حينه بالامتثال والطاعة! وفى قول فرعون: «وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً» ما يشير إلى أنه لم يكن جادّا فيما يقول.. فلقد أصدر حكمه على هذا الأمر الذي يريد التحقق منه، وهو أن موسى كاذب فيما يدعيه من أن له إلها فى عالم غير هذا العالم الأرضى الذي تفرد فيه فرعون بالألوهية! فما الداعي إلى التحقق من أمر واضح الكذب؟
وقوله تعالى: «وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ» بيان للحال التي انتهى إليها أمر فرعون، وأنه مضى فى طريق الضلال إلى غايته.. فقد زين له بضلاله، واستكباره، سوء عمله هذا، فرآه حسنا، فمضى فيه، وصد عن سبيل الله، بما يحمل فى كيانه من أباطيل وضلالات. «وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ» الذي يكيد به للمؤمنين «إلا فى تباب» أي فى فساد، وضياع..