«إذ» ظرف يبيّن حالا من أحوال سليمان فى أوبه إلى الله.. أي ومن أو به إلى الله ورجوعه إليه، موقفه هذا الذي كان منه حين عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد..
والصافنات: الخيل الواقفة على ثلاث قواتم، على حين تكون الرابعة قائمة على حرف الحافر.. وهذا من علامات الكرم والأصالة فى الخيل.. أما ذوات الحافر الأخرى، كالحمير والخيل غير الكريمة، فإنها تقف على قوائمها الأربعة، متمكنة من الأرض على سواء.. يقول عمرو بن كلثوم فى معلقته، يصف كرام الخيل التي يقتنونها، ويحاربون عليها:
وسيّد معشر قد توّجوه ... بتاج الملك يحمى المحجرينا
تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلّدة أعنتها صفونا
والجياد: جمع جواد، وهو اسم غلب على الذكر من الخيل.. وأصله من الجودة.. والخير: هو الخيل.. وتسمى الخيل خيرا، لأنها مظهر من مظاهر النعمة، حيث لا يملكها إلا أصحاب الثراء والجاه، فحيث كانت الخيل كان الخير معها.. وفى الحديث: «الخيل معقود بنواصيها الخير» والآيتان الكريمان تحدثان عن حال من أحوال سليمان، وموقفه من الاشتغال بملكه وذكره لربه..
فهو- عليه السلام- إذ يستعرض الخيل، كبعض من سلطانه الذي بين يديه، أو كنعمة من نعم الملك الذي آتاه الله- إنه إذ يفعل هذا، وإذ يرى كثرة هذه الخيل المجراة بين يديه، بسرجها، ولجمها، يستعظم هذه النعمة، ويرى أنها شىء كثير، ما كان له أن يستكثر منه إلى هذا الحد، وأن يحفل به إلى هذا المدى، وأنه لو استكثر من ذكر الله، وأعطى لهذا الذكر ذلك المجهود الذي بذله، فى انتقاء هذه الخيل، وفى استجلاب كرائمها من كل أفق- لو أنه فعل هذا لكان أولى، وأجدى..