وأيّاما كان، فإن ذكر سليمان هنا، وأنه مما وهبه الله لداود، هو مما يشير إلى فضل الله سبحانه، وإحسانه إلى عبده داود، بعد خطيئته، واستغفاره وندمه، وقبول الله توبته. وهكذا يبتلى الله سبحانه المصطفين من عباده بما يبتليهم به من مكروه، ثم يخرجهم من هذا المكروه، أصفى جوهرا، وأضوأ نورا، وأكثر إشراقا وألقا. وأن سليمان هذا، إنما هو هبة من هبات الله العظيمة، وعطاء من عطاياه الجليلة المسوقة إلى عبد من عباده المحسنين، بعد هذا الابتلاء العظيم، وبعد تلك المحنة القاسية..
وفى قوله تعالى: «نِعْمَ الْعَبْدُ» ثناء عظيم من المولى سبحانه وتعالى، على سليمان، وعلى داود أيضا، إذ كان ذلك الابن هبة له من ربه..
وقوله تعالى: «إِنَّهُ أَوَّابٌ» إشارة إلى أنه كثير الأوب والرجوع إلى الله وأنه مع الملك العظيم الذي جعله الله بين يديه، كان على صلة وثيقة بربه..
فلم يقطعه الملك عن ذكر ربه، بل إنه كلما كانت له نظرة إلى ملكه كانت له إلى ربه نظرات..
وفى وصف سليمان بالصفة التي وصف بها أبوه داود، وهى «الأواب» إشارة إلى أنهما على درجة واحدة من الاتصال بربهم، والرجوع إليه دائما..
ثم إنه إشارة أخرى إلى أن سليمان سيقع منه ما وقع لأبيه من فتنة وابتلاء، ثم من استغفار وندم، ثم من توبة وقبول من الله، وعطاء جزل عظيم، بعد هذا القبول والرضا من رب العالمين..
قوله تعالى:
«إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ»