الإنسان في جنسه كله، وإنما هو واقع على من خان الأمانة من بنى الإنسان، ونزل عن هذا المقام الرفيع الذي له في الكائنات، وبهذا استحق أن يوصف بأنه «ظلوم» أي عظيم الظلم، لأنه ظلم نفسه، فلم يقدرها قدرها، ولم يحفظ عليها مكانتها.. وإنه ليس أظلم ممن يظلم نفسه، ويبخسها حقها، وهو «جهول» لأنه لم يعرف قدر نفسه، ولم يحتفظ بهذا السلطان الذي له في هذا العالم.. ومن جهل نفسه فهو أجهل الجاهلين..
فوصف الإنسان بأنه ظلوم جهول، هو في الواقع إشارة إلى تلك الخسارة العظيمة، التي خسرها الإنسان بتضييع الأمانة التي كانت بين يديه، والتي حين تخلّى عنها فقد كلّ شىء، ونزل من القمة إلى القاع..
وهذا أسلوب من أساليب البلاغة في إظهار عظمة الشيء، بذم من فرط فيه وقصر في حفظه، وحراسته.. كما يقال عن إنسان كانت بين يديه فرصة عظيمة مسعدة، فأضاعها بإهماله وتواكله، فلا يجد إلا من يلوم ويقرّع بمثل هذه الكلمات: غبى!! حيوان! جاهل! ..
وعلى هذا لا يكون قوله تعالى: «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» - لا يكون تعقيبا على قوله تعالى: «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» .. وإنما هو تعقيب على محذوف، تقديره وحملها الإنسان فلم يحسن حملها، ولم يؤدها على وجهها.. وإنه بهذا التقصير كان ظلوما جهولا..
هذا هو ما اطمأن إليه القلب، واستراحت له النفس، فى فهم الآية الكريمة.. وهناك مقولات كثيرة في كتب التفسير في هذا المقام، وهى على كثرتها وتضاربها، لا تخلو من فائدة لمن ينظر فيها..