أتباع المسيح على إنكار هذه الواقعة- ليعلم عن يقين أنه يواجه بهذه الحقيقة عالما متربّصا به، متلهفا إلى اصطياد المعاثر والمزالق له، فكان من المتوقع- والأمر كذلك- أنه إذا جاء يحدّث أهل الكتاب عن أمر هو فى أيديهم، ومن خاصة أمورهم- كان حديثه معهم جاريا مع ما يعرفون منه، وما يروون عنه، فإن كان اختلاف فى شىء، ففى ترتيب الأحداث وتلوينها، فإن زاد الخلاف شيئا، ففى الأحداث العارضة، التي لا تدخل فى الصميم من ذاتية هذا الأمر.
أمّا إذا كان الحديث عن أمر له شأنه وخطره فى بناء العقيدة، ثم كان مما يقيم لأصحاب تلك العقيدة حجة دامغة ودليلا قاطعا لمقولاتهم التي ينكرها عليهم- فإن ذلك هو أعجب العجب.. حيث يجىء القرآن إلى هذه الدعوى التي ينكرها على أتباع المسيح، فى تأليههم له- يجىء فيضع بين يدى أصحابها حجة أقوى من حجتهم لها، ودليلا أوضح من دليلهم عليها.. إن ذلك لعجب عجيب!! ذلك أن أتباع المسيح يتخذون من معجزات المسيح الخارقة- كإحياء الموتى، وإبراء ذوى العاهات والزّمنى- يتخذون من ذلك دليلا على ألوهيته.
ولو كانوا يرون سبيلا إلى القول بأنه تكلم فى المهد لحرصوا على إظهار تلك المعجزة، وإضافتها إلى ماله من معجزات، ليقوى هذا من قولتهم فيه، وتأليههم له! .. فكيف يقدّم القرآن لخصومه فى تلك الدعوى التي يدّعونها، والتي ينكرها عليهم- كيف يقدّم لهم مستندا جديدا، يؤيد هذه الدعوى عندهم، ويؤكد هذا الزعم لديهم؟
ونقول: إن القرآن الكريم لا يلتفت إلى شىء من هذا، ولا يجعل له شأنا فى حسابه مع ما يدعيه المدعون.. وإنما الذي يلتفت إليه، ويحسب له