الامتنان على المسيح نفسه، بما كان من نعم الله عليه، وألطافه به.. حيث يقول سبحانه وتعالى: «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ، تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» .
(110: المائدة) ويلاحظ هنا أيضا كلام المسيح فى المهد وكلامه كهلا، وذلك ليذكر المسيح- وهو المخاطب بهذا من ربّ العالمين- أن كلامه فى المهد كان على صورة هذا الكلام الذي يتكلم به فى كهولته.. فيه العقل والمنطق والحكمة، وليس أصواتا كأصوات الأطفال، ولا لغوا كلغو الصبيان!.
والسؤال هنا.. هو: هل كان كلام المسيح فى المهد حدثا وقع فى موقف الدفاع عن التهمة التي رميت بها أمه من قومها.. ثم أمسك المسيح بعدها عن الكلام، ليأخذ الحياة على مألوف المواليد من الناس، وليدرج فى مدارج الطفولة خطوة خطوة.. أم أنه استمر متكلّما مبينا إلى آخر أيامه؟.
ونقول: إن كلام المسيح فى المهد هو معجزة متحدّية، مثل معجزاته فى إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص.
والشأن فى تلك المعجزات المادية أن تظهر فى الحال الداعية لها، ثم تختفى، فلا يرى الناس لها وجها إلى آخر الأبد.
ومن الحكمة فى هذا ألا تعيش المعجزة المادية طويلا فى حياة الناس، حتى لا يألفوها، هذا الإلف الذي يذهب ببهائها وجلالها.
ثم إن المعجزة المادية القاهرة امتحان وابتلاء، وما كان هذا شأنه فإن من الحكمة أن يلمّ بالناس إلماما، وألا يقيم إقامة دائمة، تلحّ على الناس فيه