على بالهم، ولا يقع في تصورهم، لأنه مما لا شبيه له، فيما يعرف الناس من نعيم الدنيا.. فهو- والحال كذلك-.. أشبه بالشيء الخفي، الذي لا تعلم حقيقته..

- وقوله تعالى: «مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» .. أي مما تسر به العين، وترتاح له، وتجد فيه أنسها وحبورها.. وخصّت العيون بهذا، لأنها هى المرآة التي تتجلى على صفحتها مشاعر الإنسان، وترتسم على نظرتها خلجاته وخطراته.. من فرح أو حزن، ومن حب أو بغض، ومن رضا أو سخط.. ولهذا فإنه قد كان للناس نظر بالعيون إلى العيون، وحديث من العيون إلى العيون..

وكان للعيون لغة أبلغ من لغة الكلام، وكان لهذه اللغة علماؤها، وأصحاب القدم الراسخة فيها، عطاء وأخذا، وإرسالا واستقبالا..

وفي الشعر العربي ما يكشف عن هذه الحقيقة من أمر العيون، وما تنفث من سحر البيان والدلال معا.. يقول الشاعر:

والعين تعلم من عينى محدّثها ... إن كان من أهلها أو من أعاديها

ويقول آخر:

إذا كاتمونا الهوى نمّت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف

ويقول ثالث:

ومراقبين تكاتما بهواهما ... جعلا القلوب لما تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظا فكأنما ... يتناسخان من العيون سطورا

وهكذا تحدّث العيون عما تطوى النفوس من خير أو شر، يقول السيد المسيح: «سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيّرا، وإن كانت عينك شريرة، فجسدك كله يكون مظلما» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015