ملأ صدورهم عجبا ودهشا، من هذه الآيات التي تتنزل بين يدى مريم، رزقا من السماء بلا انقطاع.. إنه من عند الله! وما كان من عند الله فلا مثار منه لعجب أو دهش!!
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
التفسير: «هنالك» أي هذا المقام الكريم، الذي شهد فيه زكريا ما شهد من آيات ربّه المتنزلة على مريم بالنفحات والرحمات.. وفى هذا الموقف الذي اشتعل فيه كيان زكريا كلّه بأشواق التطلعات إلى السماء، وأحاسيس التداني والقرب.. هنالك استشعر زكريا قربه من ربّه، ودنوه من رحمته، فضرع بين يديه داعيا يطلب الولد، الذي حرمه حتى بلغ من الكبر عتيا، وكانت امرأته- مع ذلك- عاقرا.
كان زكريا فيما شهد من أفضال الله على «مريم» أمام معجزات خارقات لمألوف الحياة، وما يخضع له الناس من سننها، فاهتبلها فرصة يأخذ فيها بنصيبه من هواطل غيوث رحمة الله، فطلب هذا المطلب الجاري على غير المألوف! وقد استجاب الله لزكريا ما طلب، فوهب له «يحيى» مصدقا بكلمة من الله، وسيّدا، وحصورا، ونبيا، من الصالحين.
ومن هذا نعلم أنه يقدر ما يكون فى كيان الإنسان من إيمان بالله، وثقة به، وطمع فى رحمته، بقدر ما يكون حظه من القبول والاستجابة لما يدعو به ربه..