ونقاء جوهره- لجة ماء رقراق- هذا الصرح لا يمكن أن يقوم بيد بشرية، ولا يمكن أن يكون من صنع بشر.. إنه من قوة فوق قوة الإنسان، ومن تدبير فوق تدبيره.. وإذن فهى أمام معجزة قاهرة.. لا يستطيع العقل السليم إلا أن يسلم بها..
وإذن فلا بد من التسليم.. وقد سلّمت..
وإذن فلا بد من أن تؤمن بمن آمن به سليمان، وأن تعبده.. وقد آمنت! فقالت: َبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .
وانظر كيف كانت ثقتها بسليمان، بعد أن أراها من آيات الله التي بين يديه، ما جعلها تطمئن إليه، وتصدق دعوته بأنه نبى.. ولهذا فإنها تبادر إلى الإيمان بالله من قبل أن يدعوها إليه، لأنها قد عرفت أن سليمان على الحق، ومع الحق..
ولهذا قالت: َ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»
! إنها مع سليمان، لأن سليمان مع الحق! وهكذا تنتهى أحداث القصة بهذه النتيجة، التي يحصلها العقل من مجريات هذه الأحداث..
وإذا كان مساق القصة إلى قريش، وإلى العرب، ثم إلى الناس جميعا- فإنها بهذا الأسلوب الذي يجىء بالموعظة في رقائق من المعاني، تخطر في براعة، وخفة، وتتحرك في وداعة ولطف، حيث تصيد الخواطر، وتملك المشاعر، وتأسر القلوب، دون أن تثير حربا، أو تريق دما- إنها- أي القصة- بهذا الأسلوب، هى رسالة قائمة بنفسها، لتدخل إلى مواقع الإفناع من العقول السليمة، فتسكن إليها، وتجد برد الطمأنينة والسلام في ظلها..