به عقلها وذكاءها..
«قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ» ..
لقد أجرى سليمان بعض التغيير في عرشها، دون أن يمس الصميم منه..
وحين ترى الملكة هذا العرش، ويسألها سليمان: «أَهكَذا عَرْشُكِ» ؟
لم تشأ أن تقطع برأى، فهو أشبه شىء بعرشها فعلا.. ولكن كيف انتقل عرشها، وقد خلفته وراءها في مسيرتها إلى سليمان؟. ثم هي من جهة أخرى تعلم ما مع سليمان من قوى تفعل الأعاجيب، وتأنى بالمذهلات.. ألم تأتها رسالته على يد جند من جنوده، هو الهدهد؟. فكان جوابها هذا الجواب الحكيم، الذي توسط الأمر، فلم تنف ولم تثبت، بل قالت: «كَأَنَّهُ هُوَ» ! وقد أعجب سليمان بهذا الرد الذكي الحصيف، وعدّه من آيات العلم، وثمرة من ثمراته.. فذكر بذلك، العلم الذي آتاه الله فقال، فيما بينه وبين نفسه.
«وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ» ! ولم يقف بسليمان العجب من ذكاء الملكة، وعقلها عند هذا الحد.. بل إنه رأى أن هذا العقل الكبير، وما وعى من علم، كان جديرا به أن يهدى صاحبته إلى الإيمان بالله، وأن يقيم وجهها للدين القيم.. فكيف لم تؤمن بالله؟
وكيف تسجد للشمس من دون الله؟ أهذا ما يقضى به هذا العقل الكبير ويقبله؟ ويطمئن إليه؟ لا بد أن في الأمر شيئا! وينظر سليمان، فيرى الآفة التي تسلطت على هذا العقل، فاغتالت منطقه، وأفسدت عليه وجوه الرأى، حتى ضلت صاحبته هذا الضلال، وركبت هذا السفه.