من جماعة عالية، لا تنظر إلى ما تحتها، ولا تلتفت إلى مواطىء أقدامها، ولا تشعر بما تصيب أو تقتل، من تلك الكائنات الضعيفة! وهل يشعر من يسكن القصر، بما يعانى ساكن الكوخ؟ وكم في دنيا الناس من المستضعفين من تطؤهم أقدم الأقوياء، دون أن يشعروا بهم، وهم في طريقهم إلى التمكين لسلطانهم، والاستزادة من جاههم وقوتهم؟ وكم من مجتمعات بشرية بأسرها جرفها تيار عات من تيارات الطغاة والمستبدّين؟ وكم من مدن عامرة دمّرتها رحى الحروب التي يوقد نارها من يملكون الحطب والوقود؟ وكم؟ وكم؟
إنها حكمة بالغة، ودرس عظيم، تلقيه «النملة» - أضأل مخلوقات الله، وأقلها شأنا- على الإنسانية، فى أحسن أحوالها، وأعدل أزمانها، وأقوى سلطانها!.
ولكن أين من يتعظ ويعتبر؟
ولقد أخذ سليمان العبرة والعظة..! فحاد بركبه عن وادي النّمل، وهو يضع ابتسامة على فمه، ويرسل ضحكة رقيقة واعية من صدره، ويحرك لسانه بكلمات شاكرة، ذاكرة فضل الله، ونعمته.. فيقول: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ» .. ومن شكر النعمة، حراستها من أن تكون سلاح بغى وقهر. ومن العمل الصالح، إرسال هذه النعم في وجوه الخير والإحسان.
إن للنملة سلطانا كسلطان سليمان، ودولة كدولته، وجندا كجنده.. ثم إنها تقوم على هذه الدولة وترعاها رعاية الأم لأبنائها، وإنها لتضع عينها دائما على مواقع الخير، ترتاده لرعيتها، وإلى مواطن الشر، فتدفعها عنها، وتحذرها منها..
فهل تجد رعايا سليمان في ظله، مثل هذه الرعاية التي تجدها جماعة النمل في ظل