الجن، والإنس، والطير، وقد أمسكتها يد القوة القادرة بكلمة واحدة.. هى «يوزعون» التي قامت على هذه الأمم مقام الحرس والقادة، فى أحدث ما عرفت الجيوش من حراسة، وضبط، وقيادة! قوله تعالى:
«حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .
«حتى» إشارة إلى غاية من غايات للسيرة التي يسير إليها سليمان، بهذه الحشود التي احتشدت له، من الجنّ والإنس والطير..
وقد انتهت به هذه الغاية هو وجنوده إلى «واد النّمل» أي قرية من قراه، حيث يعيش النّمل جماعات، وفي نظام أشبه بنظام المجتمع الإنسانى! وقد أراد سبحانه وتعالى، أن يصغّر في عينى سليمان هذا الملك العريض الذي بين يديه، وأن يكسر من حدّة هذا السلطان المندفع كالشهاب، لا يمسكه شىء، ولا يعترض سبيله معترض، وذلك كى لا يدخل على نفسه شىء من العجب والزهو.. فتقف له النملة هذا الموقف الذي يرى منه سليمان عجبا عاجبا.. فيرى سليمان من النّملة ما لم ير أحد من جنده، ويسمع منها، ما لم يسمعه أحد غير النمل الذي يعيش معها.. «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» ..
هذا هو صوت النذير، الذي أنذرت به النملة جماعتها..
إن الهلاك مقبل على جماعة النمل، من هذه الحشود الحاشدة، التي تسير في ركب سليمان.. فلتأخذ الجماعة حذرها، ولتدخل مساكنها، وتنجحر في مساربها، وإلا فالهلاك المحقق! وممن هذا الهلاك؟