بكلمة عربية، ثم يطلع عليهم فجأة، دون أن يبرح مكانه، وقد نطق بهذا اللسان العربي المبين، من آيات الله وكلماته- ثم هم مع هذا لا يجدون في هذا آية، لهم تدلّ على صدقه، وأن هذا الكلام ليس من عنده! فهذا القرآن يقع من قلوبهم، ويسلك فيها هذا المسلك، حين يسمعونه من رجل منهم، لم يكن يتلو من قبله من كتاب، ولا يخطه بيمينه.. إنه أشبه بأعجمى ينطق بلسان عربى مبين، كأنما ولد بهذا اللسان، وعاش بين أهله..
ومع هذا فإنهم لا يجدون فيما يتلوه عليهم النبي الأمى آية، كما لا يجدون فيما يسمعهم إياه الأعجمى من لسانهم العربي المبين آية.. وهكذا تنتظم هذه الصورة الواقعة إلى تلك الصورة المفترضة وتسلك معها في خيط واحد.. النبي الذي يحدث بهذه الآيات، والأعجمى الذي ينطق بها لسانه.. إنهم لا يؤمنون بهذا أو ذاك، ولا يجدون آية في حديث النبي، أو منطق الأعجمى! ولهذا جاء قوله تعالى: «لا يُؤْمِنُونَ بِهِ» أي لا يؤمنون بهذا الحديث، سواء أكان من أمي، أو أعجمى.. وهذا لا يكون إلا من قلوب قد ضمت على داء خبيث، يغتال كل خير يمر بها، ويدفع كل هدى يطرق بابها، ولذا وصفوا بالإجرام..
«فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ» وقوله تعالى: «يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» - إشارة إلى أنهم لن يؤمنوا أبدا، ولو جاءتهم كل آية.. وذلك حتى يروا بأعينهم ما أنذروا به من عذاب أليم، وعندئذ يؤمنون إيمان المضطر المكره، والذي لا حيلة من النجاة من هذا العذاب، إلا بأن يتعلق بحبل الإيمان، الذي كان ممدودا له من قبل.. ولكن قد فات الأوان، وحيل بينهم وبين ما يشتهون! قوله تعالى:
«فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ» (م 12 التفسير القرآنى ج 19)