بعضا منه.. وما يصدق على بعضه يصدق عليه كلّه..
والمعنى: أن هذا القصص، أو هذا القرآن، لو نزل على بعض الأعجمين، ممن لا يعرفون العربية، ولا ينطقون باللسان العربي، فقرأ على القوم هذا القصص أو هذا القرآن، بلسان عربيّ مبين، ما صدّقوه، وما كان لهم من ذلك آية، على أن هذا الكلام ليس من عند هذا الأعجمى، وإنما هو آية من آيات الله، تجلّت فيه.. وإلا فمن أين له هذا البيان المبين باللسان العربي، وهو الأعجمى الذي لا يحسن أن ينطق بكلمة عربية؟ ولكن القوم قد استبدّ الضلال بعقولهم، واستولى العناد على منطقهم..!
وفي الآية إشارة إلى أن النبيّ- صلوات الله وسلامه عليه- هو بالنسبة إلى هذا القرآن أشبه بالأعجمى.. إذ أنه لا يعرف من ذاته شيئا من تلك الأخبار، التي يحدّث بها هذا القصص الذي يتلوه على القوم.. تماما كما لا يحسن أن ينطق باللسان العربي من لم يتعلم هذا اللسان ويتقنه.. ومن جهة أخرى، فإن النبيّ لو عرف هذه الأخبار، ما أمكنه نسجها، وإخراجها على هذا النظم البديع المعجز.. فهو بالنسبة إلى هذا البيان القرآنى، أشبه بالأعجميّ كذلك حين يكلّف أن ينطق باللسان العربي! قوله تعالى:
«كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» سلك الشيء في الشيء، أو معه.. نظمه معه، وضمه إليه.. ومنه قوله تعالى:
«اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ» أي أدخلها إلى جيبك، وأسقطها إسقاطا، كما تسقط الحبة على الحبّة في نظم العقد..
والإشارة في قوله تعالى: «كَذلِكَ سَلَكْناهُ» - يشار بها إلى تلك الصورة المتمثلة للمشركين، وهم يستمعون إلى رجل أعجميّ خالص العجمة، لم ينطق أبدا