القرآن الاحتفاظ بصورة النظم إلا عن قصد، ولغاية مرادة، لا تتحقق إلا بهذا الالتزام، بحيث لو اختلفت صورة النظم قليلا أو كثيرا، لفات الغرض، ولم تتحقق الغاية..
فإن من مألوف النظم القرآنى، أن ينوّع الأساليب، ويغاير بينها، إذا لم يكن في هذا التنويع، وتلك المغايرة، ما يجور على المعنى، أو ينتقص شيئا منه..
أي شىء.. وإلا فإن القرآن يكرر اللفظ ويعيده كما هو ولو عشرات المرات، كما في قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» من سورة «الرحمن» التي تكررت فيها هذه الآية بنظمها هذا، إحدى وثلاثين مرة.
والسؤال هنا:
ما سرّ التزام القرآن لهذا النظم، الذي جاء على هذه الصورة، فى كل من سورتى الأعراف والشعراء؟
والجواب- والله أعلم- أن المشهد الذي وقع من كل من العصا واليد، ظلّ على حالة واحدة ثابتة، لم يطرأ عليها تغيير من أول ما وقعت إلى أن رفعت.
فالعصا.. ألقى بها موسى من يده.. فإذا هي في الحال ثعبان مبين، مرة واحدة.
لم تتحول من حال إلى حال، ولم تتغيّر من صورة إلى صورة. كأن تبدأ صغيرة- كما هو المتوقع عادة في كل عمل إنسانى- ثم تظهر آثار التفاعل فيها، فتكبر شيئا فشيئا حتى تبلغ غايتها..
واليد.. أخرجها موسى من جيبه، فإذا هي كوكب دريّ متألّق.. مرة واحدة.. هكذا!! وهكذا شأن آيات الله ومعجزاته، التي يضعها بين يدى رسله.. تولد كاملة، وتظلّ محتفظة بهذا الكمال، دون أن يدخل عليها أي تغيير، حتى تزايل الموقف، فى الزمن المقدور لها أن تزايله..