«فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ. فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ؟» (الشعراء) .
وهنا يلقاه فرعون سائلا:
«فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟» .
وانظر إلى كيد فرعون في هذا السؤال الماكر.. إنه يطلب الجواب من موسى، وهو يعلم ما في لسانه من حبسة، وذلك أمام الجمع..
ويجيب موسى.. وقد أطلق الله سبحانه حبسة لسانه:
«رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» .. (20) [طه] ويعاجله فرعون بسؤال آخر:
«فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى؟» ... (21) [طه] ويردّ موسى هذا الردّ المفحم:
«عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى. كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى. مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى» .. [طه] وانظر كيف عدل موسى عن الجواب على سؤال فرعون، والدخول معه فى هذا المجال، الذي يكثر فيه اللجاج، ولا يستطيع أحد الخصمين- فى موقف العناد والجدل- أن ينال موقفا حاسما..
«فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى» ؟ إنه طوفان يغرق فيه من يتصدى للجواب عليه، إلا إذا كان مع من يطلب الهدى، ويسأل ليعلم، لا ليفحم.