أزمنة مختلفة، وأحوال مختلفة أيضا، قد جعل منها مشهدا واحدا، يمسك بتلك المشاعر التي كان يعيش بها أصحابها في هذا الموقف، دون أن يحدث الانفصال الزمانيّ أو المكانيّ فيها خلخلة، أو ازدواجا.
ومع هذا- أيضا- فإننا سنعرض هذه المشاهد، على أنها صورة واحدة، فى موقف واحد، وسنرى أنها تقبل مثل هذا العرض، وتتلاقى فيه وجوهها، دون أن تتصادم، أو تتدافع! ولقد رأينا في المشهد السابق، أن فرعون، قد أخذ بالمباغتة، التي طلع بها موسى وهرون عليه، وأنه حين أسمعاه هذا القول، الذي قالاه له في قوّة وجرأة- وجم، ولم ينطق.
ثم صحا من هذا الذهول، وتنبه لحقيقة الموقف، فاتّجه إلى موسى بهذه الأسئلة الهازئة الساخرة:
«أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ» (الشعراء) (18- 19) .
وقد قدّر فرعون أن هذه الكلمات ستصيب موسى في الصميم منه، وأنها ستخفض رأسه في حضرته.. إذ أنه سيذكر من هذه الكلمات، طفولته وضياعه ووقوعه ليد فرعون.. ثم إنه ستطلع عليه من هذا الكلام صورة مخيفة لفعلته التي فعلها، وهي قتل المصري، وأن فرعون إذا لم يأخذه بجرأته عليه، أخذه بهذا المصريّ الذي قتله.
ولا يقف موسى عند ما ذكره له فرعون، من تربيته له، وضمه إليه، بل يجعل همّه كلّه دفع هذا الخطر الذي يتهدّده من حادثة القتل.. فيقول مجيبا فرعون:!